مرض السكر من أقبح المشاكل التي تجرها السمنة على صاحبها. 

لكن الجميل في الأمر هو أننا يمكننا التحكم في الأمر، وخسارة الوزن ستكون هي محور الحل. 

لعلك الآن تتساءل: هل يمكن لـ التكميم ومرض السكر أن يكونا جزءاً من قصة نجاح واحدة؟ وهل حقاً يمكن علاج السكر بالتكميم؟ 

هذه التساؤلات في محلها بالتأكيد، ونحن هنا اليوم لمحاولة الإجابة عنها.

هذه المقالة ليست لتقديم وعود وهمية، بل لتسليط الضوء على العلاقة المذهلة بين التكميم والسكري، وكيف أصبحت جراحات السمنة للسكر خياراً علاجياً فعالاً لا يقتصر على فقدان الوزن فحسب، بل يمتد ليشمل تحسين جذري في حياة مرضى السكري. 

 

ما هي عملية التكميم؟

قبل أن نتحدث عن علاقة التكميم ومرض السكر، دعنا نذكر بإيجاز ما هي عملية التكميم (Sleeve Gastrectomy). 

هي جراحة سمنة شائعة وفعالة، تُجرى عادة بالمنظار، وتهدف إلى تصغير حجم المعدة بشكل دائم.

  • كيف تُجرى؟ يقوم الجراح بإزالة حوالي 75% إلى 80% من المعدة، ويتم تحويل الجزء المتبقي إلى أنبوب ضيق أو “كم” (Sleeve) بحجم الموزة تقريبًا. يتم هذا باستخدام الدبابيس الجراحية المتخصصة.
  • الهدف الأساسي: تقليل سعة المعدة بشكل كبير. هذا يحد من كمية الطعام التي يمكن للمريض تناولها في الوجبة الواحدة، مما يؤدي إلى الشعور بالشبع السريع وفقدان الوزن تدريجيًا.

الآن، بعد أن فهمنا ببساطة ما هي عملية التكميم، لننتقل إلى سؤال المليون: هل يمكن تحقيق علاج السكر بالتكميم؟

وهو سؤال مؤرق للعديد من الناس الذين أرهقهم السكر وتبعاته، وملوا تناول الأدوية. 

 

هل يمكن علاج السكر بالتكميم؟

الإجابة المختصرة هي: نعم، يمكن لعملية التكميم أن تحقق تحسنًا كبيرًا أو حتى علاجًا لمرض السكري من النوع الثاني في عدد كبير من الحالات.

 كلمة “علاج” هنا تعني غالبًا “الخلاص من الحاجة إلى أدوية السكري” أو “الوصول إلى مستويات سكر طبيعية دون الحاجة لأي دواء”.

لم تعد جراحات السمنة مجرد خيار لفقدان الوزن، بل أصبحت تعتبر علاجًا فعالًا وربما جذريًا لمرض السكري من النوع الثاني، خاصة لدى المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة. 

الأبحاث والدراسات السريرية على مدى عقود أثبتت أن هذه العمليات، بما في ذلك التكميم، قادرة على إحداث تحولات مذهلة في حياة مرضى السكري.

إن العلاقة التكميم والسكري تتجاوز مجرد النجاح في فقدان الوزن، حيث يحدث تغيير جذري في ديناميكية الجسم الداخلية وطريقة تعامله مع السكر.

 

كيف يمكن أن تساعد عملية التكميم مريض السكري؟

دعنا الآن نشرح لك عدداً من الطرق التي ستحسن بها عملية التكميم حياة مريض السكري، ومن أهمها:

  1. فقدان الوزن الملحوظ:

الوزن الزائد هو أحد الأسباب الرئيسية لمقاومة الأنسولين، وهي الحالة التي لا تستجيب فيها خلايا الجسم بشكل صحيح للأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. 

عندما يفقد المريض كمية كبيرة من الوزن بعد التكميم، تتحسن حساسية الخلايا للأنسولين بشكل كبير.

  • الأهمية: هذا التغيير الأساسي يقلل العبء على البنكرياس ويساعد الجسم على استخدام الأنسولين لديه بشكل أكثر فعالية.

  1. التغيرات الهرمونية في الجهاز الهضمي:

هذه هي النقطة السحرية في التكميم ومرض السكر. عملية إزالة الجزء الأكبر من المعدة (خاصة الجزء العلوي منها الذي يحتوي على خلايا منتجة لهرمون “الجريلين” – هرمون الجوع) تؤثر على إفراز العديد من الهرمونات المعوية.

  • هرمون الجريلين: ينخفض إفرازه بعد التكميم بشكل كبير، مما يقلل من الشعور بالجوع ويساعد على التحكم في الشهية.
  • هرمونات الأمعاء (مثل GLP-1 و PYY): تزداد مستويات هذه الهرمونات بعد التكميم. هذه الهرمونات تلعب دورًا حيويًا في تحسين إفراز الأنسولين من البنكرياس، وتقليل مقاومة الأنسولين، وإبطاء إفراغ المعدة، مما يساعد على استقرار مستويات السكر في الدم.
  • الأهمية: هذه التغيرات الهرمونية تحدث بسرعة كبيرة بعد الجراحة، أحيانًا حتى قبل فقدان المريض لكمية كبيرة من الوزن، مما يفسر التحسن السريع في مستويات السكر لدى الكثيرين.

  1. تقليل كمية الطعام المتناولة:

صغر حجم المعدة يعني أن المريض يتناول كميات أقل بكثير من الطعام في الوجبة الواحدة. 

هذا يقلل من إجمالي السعرات الحرارية والكربوهيدرات التي تدخل الجسم، مما يسهل السيطرة على مستويات السكر.

  • الأهمية: يقلل من التقلبات الحادة في مستويات السكر بعد الوجبات، ويساعد على تدريب الجسم على أنماط أكل صحية.

  1. تغيير العادات الغذائية:

بعد التكميم، يصبح المريض مجبرًا على الالتزام بنظام غذائي صارم وصحي غني بالبروتين قليل الكربوهيدرات والدهون. هذا التغيير القسري في البداية يتحول مع الوقت إلى عادات صحية مستدامة.

  • الأهمية: يعزز من فقدان الوزن ويساهم في استقرار السكر على المدى الطويل.

  1. التحسن النفسي والثقة بالنفس:

مع فقدان الوزن وتحسن الصحة العامة والقدرة على التحكم في السكر، يشعر المريض بتحسن كبير في مزاجه وثقته بنفسه وجودة حياته بشكل عام. 

التحرر من عبء أدوية السكري والقيود المرتبطة بالمرض يمكن أن يكون له تأثير نفسي هائل.

  • الأهمية: الجانب النفسي له دور كبير في الالتزام بالنمط الصحي الجديد، مما يدعم استدامة النتائج الجسدية.

كل هذه الآليات تتضافر معًا لتجعل علاج السكر بالتكميم واقعًا ملموسًا للعديد من المرضى، ولهذا السبب أصبحت جراحات السمنة للسكر خياراً قوياً يوصي به العديد من الأطباء.

 

نصائح لمرضى السكري الذين يرغبون في الخضوع للتكميم

إذا كنت مريض سكري وتفكر في الخضوع لعملية التكميم، فهناك بعض النصائح الهامة التي يجب أن تأخذها بعين الاعتبار لضمان أفضل النتائج والتعافي الآمن:

  1. الاستشارة مع فريق طبي متعدد التخصصات:
    • يجب أن يتم تقييمك ليس فقط من قبل جراح السمنة، بل أيضاً من قبل طبيب غدد صماء (لإدارة السكري)، أخصائي تغذية، وأخصائي نفسي.
    • يضمن هذا التقييم الشامل أنك مرشح مناسب للجراحة، وأن يتم تعديل جرعات أدوية السكري قبل وبعد الجراحة بشكل آمن، وأن تكون مستعدًا نفسيًا وذهنيًا للتغيرات.

  2. التحكم الجيد في السكر قبل الجراحة:
    • سيطلب منك طبيبك عادة أن تكون مستويات السكر لديك تحت السيطرة قدر الإمكان قبل الجراحة لتقليل المخاطر والمضاعفات.
    • التحكم الجيد في السكر يقلل من خطر حدوث العدوى، مشاكل التئام الجروح، وغيرها من المضاعفات المرتبطة بالجراحة.

  3. التثقيف المكثف حول التغييرات الغذائية:
    • فهم النظام الغذائي ما قبل وما بعد الجراحة أمر حيوي. ستكون هناك قيود صارمة على أنواع وكميات الطعام.
    • الالتزام بالنظام الغذائي يضمن فقدان الوزن بشكل صحي، ويساعد على تجنب الأعراض الجانبية مثل الغثيان والإغراق، ويساهم في التحكم في السكر.

  4. المتابعة الدورية الشديدة بعد الجراحة:
    • ستحتاج إلى متابعة منتظمة مع طبيب السمنة، طبيب الغدد الصماء، وأخصائي التغذية لسنوات بعد الجراحة. سيتم تعديل جرعات أدوية السكري تدريجيًا (وربما إيقافها)، ومراقبة مستويات الفيتامينات والمعادن.
    • لضمان استدامة النتائج، ومعالجة أي نقص غذائي، ومراقبة أي مضاعفات محتملة.

  5. الالتزام بالمكملات الغذائية مدى الحياة:
    • بعد التكميم، قد تواجه صعوبة في امتصاص بعض الفيتامينات والمعادن. ستحتاج إلى تناول مكملات الفيتامينات والمعادن (مثل B12، فيتامين D، الكالسيوم، الحديد) مدى الحياة.
    • منع نقص الفيتامينات الذي يمكن أن يؤثر على صحتك العامة ومزاجك.

  6. ممارسة النشاط البدني:
    • بمجرد السماح لك من قبل طبيبك، ابدأ في ممارسة النشاط البدني تدريجيًا.
    • الرياضة تعزز من فقدان الوزن، وتحسن حساسية الأنسولين، وتساهم في صحتك العامة ومزاجك.

باتباع هذه النصائح، يمكن أن تكون رحلتك مع التكميم ومرض السكر قصة نجاح ملهمة.

 

في ختام هذا المقال، نؤكد أن العلاقة بين التكميم ومرض السكر هي علاقة قوية وإيجابية. لم تعد جراحات السمنة للسكر مجرد حل لمشكلة الوزن، بل أصبحت طريقًا ممهدًا نحو علاج السكر بالتكميم في العديد من الحالات. 

إن التغيرات الهرمونية والجسدية والنفسية التي تحدث بعد العملية تساهم بشكل فعال في تحسين نوعية حياة مرضى السكري بشكل لم يكن متوقعاً في السابق.

إذا كنت تفكر في هذه الخطوة، فالتسليح بالمعرفة، والالتزام بالمتابعة الدقيقة مع فريق طبي متخصص، هو مفتاحك لتحقيق أفضل النتائج والعيش حياة خالية من قيود السكري.

Dr Mohamed Tag
بكالوريوس في الطب , جامعة الأزهر تقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف ديسمبر 2003 درجة الماجستير (في العلوم)

نصائح طبية متعلقة

لا توجد نصائح طبية متعلقة

احجز